واقع كتيبة نيتسح يهودا

واقع كتيبة نيتسح يهودا

A Decrease font size.A Reset font size.A Increase font size.

واقع كتيبة نيتسح يهودا

هآرتس

بقلم: ينيف كوفوفيتش 9/2/2022

الساعة كانت تقريبا التاسعة مساء عندما كانت سيارة فيها ابناء عائلة فلسطينية تسافر على الشارع قرب مدخل مستوطنة عوفرا. عدد من الجنود كانوا في المنطقة أمروا السائق بالتوقف على جانب الشارع. “قاموا بسحبه من السيارة وبدأوا يضربونه بشكل جنوني”، قال شاهد عيان على الحادثة وهو جندي اسرائيلي. “في مرحلة معينة بدأ السائق بالارتعاش على الشارع وشاهدوا أنه يفقد وعيه”.الجنود الذين يدور الحديث عنهم هم من كتيبة نيتسح يهودا. هذه ليست حادثة عمر عبد المجيد اسعد ابن الـ 80، الذي توفي الشهر الماضي بعد تقييده من قبل جنود هذه الكتيبة، أنها حادثة أخرى حدثت هنا قبل تسعة اشهر من ذلك، في نيسان (أبريل) 2021. وفي هذه المرة لم تنته بالموت. وهي أيضا لم تنته باتخاذ أي إجراءات ضد الجنود المتورطين. هذا مثال آخر من بين امثلة كثيرة على طريقة العمل المنفلته لهذه الوحدة والتي يبدو أن لا أحدا في الجيش يتحكم بها. “هآرتس” تابعت الكثير من الحالات في السنوات الاخيرة التي تبين كيف أن كتيبة الناحل الاصولية تحولت الى نوع من مليشيا مستقلة ترتدي زي الجيش الاسرائيلي العسكري، لكنها ليست تحت إمرته ولا تخضع لتعليماته.حادثة نيسان (أبريل) 2021 ظهرت للوهلة الأولى وكأنها معيارية نسبيا، الشك بوقوع عملية دهس. هكذا فسر جنود نيتسح يهودا ايقاف السيارة على الشارع من البداية. ولكن هذا تعقد. حسب شهود العيان لم يكن هناك أي شيء مشبوه في الصورة التي كانت تسير بها السيارة. اضافة الى ذلك، بعد مرور نصف ساعة على الحادثة قالوا في الشباك والشرطة وقيادة المنطقة الوسطى إن الحديث لا يدور عن عملية دهس. هذا لم يغير الكثير على الارض. “كان هناك أشخاص حاولوا علاج الفلسطيني الذي كان في وضع سيئ بسبب الضرب”، استرجع الجندي من وحدة اخرى والذي كان في المكان. “استدعوا ممرض من نيتسح يهودا كي يساعد في العلاج، لكنه رفض بذريعة أن هذا “مخرب”. حتى الماء الذي طلبوه منهم من اجل علاج الفلسطيني رفضوا اعطاءه لهم. هذه كانت حادثة جنونية”. وحسب قوله كان يوجد في المكان الكثيرين من قادة نيتسح و”لم يتحدث أي واحد منهم”.فقط بعد مرور ساعتين على لحظة الاعتقال تم اطلاق سراح السائق وابناء عائلته. وقد تم نقله بسيارة اسعاف فلسطينية لتلقي العلاج. هم ارادوا مغادرة المكان بسيارتهم. ولكن حينها اكتشف ابناء العائلة بأن مفتاح السيارة اختفى. توجهوا للجنود الذين قالوا لهم إنهم لا يعرفون أي شيء عن ذلك. “اكثر من ساعة بحثوا عن مفتاح السيارة”، قال شخص كان متواجدا في المكان. “فقط بعد ساعة ونصف، عندما وصل نائب قائد الكتيبة وبدأ بالتفتيش تم ايجاد المفتاح في موقعهم قرب الغرف. ساعة ونصف وهم يكذبون على العالم، وهذا لم يهمهم أبدا”.اشخاص يعرفون سلوك الكتيبة ربما سيصابون بالصدمة من تفاصيل الحادثة، لكن ليس من مجرد حدوثها. ضباط وقادة في السابق والحاضر، الذين خدموا في نيتسح يهودا أو يعرفون سلوكها، شهدوا بأنه طوال السنين تبلورت كتيبة وضعت لنفسها منسوب اخلاقي وقيمي ومهني مختلف عن المنسوب الذي وضعه الجيش لباقي جنوده، وكل ذلك مع تجاهل قيادة الجيش.“كنا نخرج لنشاط روتيني في القرى، وفجأة أحد الاصدقاء كان قرر أنه سيلقي قنبلة صوت على احد البيوت أو على سيارة مسافرة”، قال أحد جنود كتيبة نيتسح يهودا الذي تسرح قبل سنتين تقريبا. “هذا بالاساس من اجل التسلية ومن اجل القصص التي نسمعها عما فعله قدامى الكتيبة. من المهم لمن هو في الكتيبة الاظهار طوال الوقت بأنهم قوة مختلفة في القطاع، وأننا خلافا لجميع الالوية، التي تتبدل كل بضعة اسابيع، نحن نعيش في هذا القطاع ونعرف ما يجب فعله”.في الفترة التي انقضت منذ أن تسرح هذا الجندي تراكم عدد غير قليل من الشهادات التي تؤكد على اقواله. على سبيل المثال قرية سنجل قرب رام الله. هناك ابلغ الفلسطينيون عن قوة لنيتسح يهودا اقتحمت بيت فلسطيني من خلال تهشيم النوافذ وتهديد ابناء العائلة بالسلاح. “كان تحقيق في هذه الحادثة. كل السلوك هناك لم يكن سليم من ناحية عملياتية”، قال مصدر في قيادة المنطقة الوسطى. “بعد انتهاء التحقيق تم توضيح التعليمات والاجراءات للمقاتلين”. تحقيق آخر، توضيح آخر، حادثة اخرى، بدون عقوبة.مصدر امني ذكر نقاش جرى في قيادة المنطقة الوسطى قبل سنتين، بعد حادثة اشكالية أخرى تورط فيها جنود هذه الكتيبة. هناك تم عرض وثيقة داخلية كتب فيها بأن “معظم جنود الكتيبة ينتمون لعائلات من سكان المنطقة. الأمر الذي يصعب عليهم التفريق بين مواقفهم الشخصية والمطالب العملياتية لقادتهم”. في النقاش تم طرح سؤال ما هو الحل لما يحدث هناك وكيف سنواصل قدما. ضمن امور اخرى تمت مناقشة حل الكتيبة ودمج جنودها في أطر الجيش.“فهمنا بسرعة أنه سيكون حل الكتيبة كاعلان الحرب بالنسبة لقيادة المستوطنين”، قال المصدر المطلع على تفاصيل النقاش “رؤية المستوطنون في المنطقة هي أن هذه الكتيبة تنتمي اليهم. وأنها قوة تعمل من اجل الاستيطان”.يبدو أن لا أحد في الجيش يعترض على ذلك. “في الايام العادية رؤساء قيادة المستوطنين يدخلون الى الكتيبة بصورة حرة ويتحدثون مع الجنود”، اضاف المصدر. حاخامات يدخلون الى موقعهم ويتجولون بصورة حرة، ويعطون دروس ويتحدثون مع الجنود عن احداث عملياتية، هذا نوع من المليشيا. الحديث لا يدور فقط عن جهات امنية وصلت الى هذا الفهم، في المنشور الذي عرضه الشهر الماضي عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش تظهر العلاقة الايديولوجية بين سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية والجنود الذين يتجولون فيها. “بصفتي مستوطن أنا اقول بأن المستوطنين يكونون سعداء في كل مرة يتم فيها وضع نيتسح يهودا في قطاعهم”، كتب. “هذه الفترة تتميز بالهدوء والامن النسبي على الطرقات لأن اصدقاءنا هناك يعرفون بالضبط مهمتهم، من هو العدو ومن هو الأخ، لا تختلط الامور عليهم، يسعون الى المواجهة ويخلقون ردع”.البصق على رجال الشرطةشهر حزيران (يونيو) 2021 اندلعت مواجهات بين مستوطنين وفلسطينيين قرب بؤرة عوز تسيون الاستيطانية. عندما وصل جندي من حرس الحدود للفصل بينهم، جنود من نيتسح يهودا كانوا في المكان قرروا التدخل بالصوت. “يجب عليكم التنكيل الجندي الآن”، صرخوا نحو المستوطنين وشجعوهم على المس به. مرت بضعة ايام وفي هذه المرة بؤرة المواجهة بين المستوطنين ورجال الشرطة كان عيمقا، “جنود كتيبة نيتسح يهودا بدأوا يصرخون على الجنود وقوات الامن: “لا تقوموا بتجريم الجنود”، “خونة”، “يقومون باخلاء اليهود” “، قال مصدر عسكري مطلع على تفاصيل الحادثة. “كان هناك جندي من الكتيبة بصق على قوات الامن”.احيانا لا يدور الحديث فقط عن تبادل الكلمات. “في نهايات الاسبوع اكثر من مرة جاء جنود نيتسح يهودا وشاركوا في احداث عنيفة مع فلسطينيين أو جهات امنية وصلت الى المكان”، قال ضابط احتياط خدم في هذا القطاع في السنتين الاخيرتين. “في احدى عمليات اخلاء البؤرة الاستيطانية “عدي عاد”، صاحب المبنى خرج نحو رجال الشرطة وقال إن ابنه ضابط في نيتسح يهودا وأن المبنى الذي اقيم هو من اجل زفاف ابنه. توجد هناك حالات غير معقولة”.“يوجد للايديولوجيا السياسية لجنود نيتسح يهودا دور كبير في سلوكهم”، قالت جهات امنية تحدثت مع الصحيفة. “كان هناك نشاط في قرية قرب رام الله”، قال احدهم. “في الاحاطة قيل للجنود بأنهم سيمرون في مناطق زراعية لفلسطينيين، في اراضي فلسطينية، لذلك يجب التصرف وفقا لذلك”. وحسب اقواله “حينها قام احد قادة نيتسح يهودا وقال امام جميع المشاركين: هذه ارض شعب اسرائيل وستتم اعادتها لشعب اسرائيل قريبا”. وحسب اقوال هذا المصدر لم يتطرق احد لهذه الاقوال وكأنه لم يحدث أي شيء.“يجب عدم التعميم على جميع من يخدمون في هذه الكتيبة”، قال مصدر امني كبير. “لكن ايضا يجب قول الحقيقة. فعدد كبير منهم هم اشخاص يأتون من حالة ضائقة أو صعوبة تواجه عائلاتهم. بعضهم تجندوا بضغط من العائلة من اجل منعهم من التجول في ميدان القطط في القدس أو المشاركة في اعمال الشغب في البؤر الاستيطانية”. وحسب قول هذا المصدر هم يعيشون في بؤر استيطانية غير قانونية ويتجندون ولديهم موقف ويتخذون موقف واضح في الصراع: “هم لم يأتوا من اجل تغيير رؤيتهم، بل في بعض الحالات يكون التجنيد هو اسلوب لتجسيد ايديولوجيتهم على الارض”.احيانا لا يكون الامر ايديولوجي، بل مجرد معايير اشكالية. هكذا كان الأمر مثلا عندما تم استدعاء جنود نيتسح يهودا الى ميدان الضفة الغربية على مدخل رام الله في كانون الثاني (يناير) 2021 بسبب الاخلال بالنظام. هذا الحدث انتهى للوهلة الاولى كالعادة. ولكن بعده وصلت الى قيادة المنطقة الوسطى شكوى من وكالة الانباء “إي.بي”، وجاء فيها أن جنود نيتسح يهودا الذين كانوا في المكان سرقوا لمصور الوكالة القائم الثلاثي الذي يضع عليه الكاميرا الذي كان بحوزته. الجنود نفوا هذا الامر عند سؤالهم من قبل القادة. ولكن الجهات التي تحدثت مع “هآرتس” قالت إن موضوع الشكوى وصل الى مستويات عليا في الجيش وتقرر ارسال قائد لواء المنطقة من اجل فحص الأمر. في التفتيش الذي جرى في الموقع وجد القائم؛ لقد كان موجود قرب سكن الجنود. “هذا الامر انتهى بتوبيخ الجنود، وليس اكثر من ذلك”، قال جندي سابق من نيتسح يهودا يعرف عن الحدث.تراكم هذا التوبيخ ينضم بصورة طبيعية تقريبا الى احداث الايام الاخيرة والى التعامل الخفيف من قبل الضباط الكبار مع الجنود المتورطين بموت عمر عبد المجيد اسعد. صحيح أن الحادثة اعتبرت “خطيرة ومؤسفة وفشل قيمي للقوة وخدر في الحواس”، إلا أن القضية انتهت بعقوبة خفيفة فقط للقادة، الاكثر خطورة من بينها كانت لقائد السرية وقائد الفصيل، اللذان سيضطران الى الانتظار سنتين من اجل تسلم وظيفة قيادية قادمة، كما يبدو في اطار نيتسح يهودا.“هآرتس” علمت ايضا أنه لم يتم النشر على الملأ لكل الدور الذي كان لقائد السرية وقائد الفصيل في القصة. تبين أنه في اطار نتائج التحقيق القيادي فان قائد الفصيل شهد بأنه عندما اراد مغادرة المكان هو وجنوده لاحظ أن اسعد لا يستجيب ويبدو أنه فاقد الوعي. صحيح أنه تمسك بروايته بأنه لم يفهم أن اسعد قد مات، بل اعتقد أنه نائم. ولكنه قال إنه قام بابلاغ قائد السرية عن عدم استجابة اسعد. هذا القائد، حسب التحقيق، قال بأنه لا يتذكر ذلك. على أي حال، ما قاله قائد الفصيل لم يصل الى علم المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي أو الى الاحاطات التي قدمت لوسائل الاعلام. ليس الجميع متفاجئين من هذه المعلومة المثيرة للاهتمام. “في الجيش الاسرائيلي مثلما هو الامر في الجيش الاسرائيلي”، قال مصدر عسكري كبير سابق. “يختارون معالجة البعوض وليس تجفيف المستنقع”.بشكل عام، منذ نشر تحقيق القيادة اهتموا في الجيش باغداق الثناء على الكتيبة بتصريحات لقادة كبار ومقالات في وسائل الاعلام. “يوجد في الكتيبة جنود ممتازون وأنا لا ارى في هذه الكتيبة مليشيا”، قال قائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، في احاطته للمراسلين العسكريين.شاب له صفات جيدةالتسامح مع ما يجري في نيتسح يهودا ليس فقط ما قام به قادة الكتيبة والقيادة العليا للجيش الإسرائيلي، بل ايضا ما قامت به المحاكم العسكرية، هذا ما يظهره لنا الحكم الذي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. في هذه الحادثة جندي من الكتيبة هاجم اشخاص بدو في محطة وقود في جنوب البلاد “دون تحد مسبق من جانبهم. وكتب ايضا أن زملاءه في الوحدة كانوا في البداية يوجدون في الحافلة ونزلوا منها وهم يحملون السلاح وهاجموا في بضع دقائق أشخاص كانوا في المكان عن طريق الضرب وتوجيه البنادق المشحونة نحوهم”. ولكن هذه الحادثة انتهت بشهر ونصف سجن للجندي الذي بدأ الهجوم وعقوبة انضباطية للباقين.“المتهم هو جندي تجند للجيش رغم أنه كان يمكنه أن يختار مواصلة التعليم التوراتي”، هكذا برر القضاة العقوبة الخفيفة.مثال آخر على العقوبة الخفيفة التي فرضت قبل ثمانية اشهر من ذلك، في 19 آذار (مارس) 2019 مثل امام المحكمة جنود من نيتسح يهودا، الذين صوروا انفسهم وهم ينكلون بمعتقلين فلسطينيين اشتبه فيهم بأنهم قدموا المساعدة لعملية قرب البؤرة الاستيطانية جفعات اساف، التي قتل فيها اصدقاء لهم في الوحدة. هذه الحادثة انتهت بصفقة. الجندي الذي قاد الاعمال حكم اربعة اشهر ونصف سجن، الآخرون خرجوا بعقوبة انضباطية فقط.في اطار هذه العملية قدم قادة وحاخامات شهادات عن الجنود المتورطين. “حسب انطباع الحاخام”، كتب في قرار الحكم، “المتهم وشركاءه في القضية تعلموا الدرس. ولصالحهم، يجب أن ننسب التضحية التي قدموها بقرارهم التجند مع كل الاثمان العائلية والاجتماعية التي ترافقه”. قائد الكتيبة في زمن الحادثة، المقدم نيتئي عوكشي، اشار هو الآخر الى “الخلفية المعقدة التي يأتي منها جنود الكتيبة”. وقال “إن اعتقال الجنود كان صدمة أدت هي ايضا الى تعلم الدروس. وطالب القضاة باستخدام الرحمة ازاء اسهامهم والحقوق الكثيرة التي راكموها”.وقد جاء عن المتحدث بلسان الجيش بأن “كتيبة نيتسح يهودا تنفذ نشاطات عملياتية في الضفة الغربية، وبهذا هي تساهم في أمن دولة اسرائيل. الاعتبارات في تموقع الكتيبة تحدد على ضوء الحاجة العملياتية مع الحفاظ على نمط حياة الجنود المتدينين. نحن لا نعرف عن الادعاء بدخول رؤساء المستوطنين. الحاخامات الذين يدخلون الى الكتيبة هم فقط الحاخامات الذين تم السماح لهم بذلك عن طريق النهج المتبع في الجيش. الجنود الذين يرتكبون أي مخالفة اثناء العطلة يتم التعامل معهم بصورة فورية كما يقتضي القانون مثل أي مواطن في دولة اسرائيل”.